صحيفة "الحقيقة" تكتب:
تواجه أرمينيا أزمة بيئية خطيرة في عدد من الاتجاهات، ولا تظهر عواقبها فقط على الغلاف الجوي والتربة والمياه والنباتات والحيوانات، ولكنها تهدد أيضًا صحة الناس واستقرارهم الاجتماعي ونوعية حياتهم بشكل كبير.
التلوث البيئي في أرمينيا ظاهرة متعددة الأوجه. غالبا ما يركز علماء البيئة الأرمن على التعدين، لكن الإحصائيات والدراسات تظهر أن هناك مشاكل أكثر خطورة تهدد صحة الناس.
علاوة على ذلك، هناك دراسات تشير إلى أن تلوث الهواء في العاصمة أعلى بكثير منه في مناطق التعدين. ويتركز هنا أكثر من ثلث سكان البلاد، والبنية التحتية للمدينة غير قادرة على التكيف مع عبء مثل هذه البيئة المزدحمة.
أدى العدد المتزايد باستمرار من السيارات وازدحام الطرق والانخفاض الحاد في المساحات الخضراء إلى خلق ظروف جعلت تلوث الهواء ظاهرة "طبيعية". يتم تضمين يريفان دائمًا تقريبًا في قائمة المدن ذات الأجواء الغبارية العالية. يتحد أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والمواد السامة الأخرى المنبعثة من السيارات مع غبار البناء والانبعاثات الصناعية لتشكل ضبابًا كثيفًا يمكن رؤيته غالبًا فوق المدينة. ثم يترسب هذا الهواء الملوث عن طريق هطول الأمطار على التربة والمجاري المائية، مما يؤدي إلى تعميق الدورة الشاملة للتلوث البيئي.
أصبح قطاع البناء، الذي تطور بسرعة في يريفان في السنوات الأخيرة، تهديدًا خطيرًا آخر. غالبًا ما لا تتوافق أعمال البناء التي يتم تنفيذها في كل منطقة بالمدينة تقريبًا مع معايير السلامة والبيئة. ينتشر غبار البناء على مساحات واسعة، والضوضاء تتجاوز المستوى المسموح به، وحركة الشاحنات غير المحدودة لا تلحق الضرر بالإسفلت فحسب، بل تزعج بقية السكان أيضًا.
تظل إحدى المشاكل الأكثر إلحاحًا وإيلامًا في يريفان هي نظام جمع القمامة وإدارة النفايات. على الرغم من أن العديد من الهياكل الخاصة والمجتمعية تعمل في المدينة، إلا أن جمع القمامة يتم دون فرز القمامة. تتزايد نفايات البولي إيثيلين والبلاستيك وغيرها من النفايات غير القابلة للتحلل سنة بعد سنة، والتي تتراكم بلا رحمة في مدافن النفايات البلدية.
ولا توجد مصانع معالجة أو مرافق فرز، رغم أن السلطات تتحدث منذ سنوات عن جذب الاستثمار والاستفادة من الخبرة الأجنبية وخلق "اقتصاد أخضر". وبقيت هذه الوعود على مستوى الكلمات دون استمرارها عمليا. ونتيجة لذلك، أصبحت مدافن النفايات في يريفان مراكز لكارثة بيئية.
ولا يقتصر الأمر على كونها مكتظة فحسب، بل إنها تشتعل بانتظام أيضًا، وتنتج أعمدة ضخمة من الدخان تحتوي على الديوكسينات الخطرة والغازات السامة والجسيمات. وينتشر ذلك الدخان في أجواء المدينة، ويضطر المواطنون إلى استنشاق هواء مشبع بمكونات غير مرئية ولكنها خطيرة. وفي الآونة الأخيرة، أصبح الحريق الذي اندلع في مكب نفايات نوباراشن مثالاً بارزًا على كل هذا. لم يكشف الحريق عن عدم فعالية نظام الإدارة فحسب، بل أظهر أيضًا مدى ضعف الأمن البيئي في يريفان.
عواقب كل هذا لها تأثير عميق على صحة الناس. زاد انتشار أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والحساسية والأورام في يريفان في العقد الماضي، وكثيرًا ما يذكر الأطباء أن هذا يرتبط بشكل مباشر بتلوث الهواء والتغيرات في التركيب الكيميائي للتربة والمياه. ووفقا لحسابات الخبراء، فإن مستوى تلوث الهواء في يريفان يتجاوز عدة مرات الحد المسموح به الذي حددته منظمة الصحة العالمية.
ونتيجة لسوء إدارة القمامة والنفايات، يزداد أيضًا عدد الفئران والحشرات وغيرها من الكائنات الحية التي تحمل الأمراض، مما يزيد من مخاطر الأوبئة. وهذا الوضع يتطلب رداً نظامياً وليس سطحياً. لا ينبغي للدولة أن تتحكم فحسب، بل يجب أن تعزز أيضًا تشكيل ثقافة إيكولوجية جديدة على المستويين الحضري والريفي.
ومن الضروري إدخال نظام فرز وإعادة تدوير القمامة، وتشديد السيطرة على الانبعاثات، ووضع معايير واضحة للحفاظ على المناطق الخضراء، ومراجعة سياسة التخطيط الحضري. عندها فقط يمكننا تحقيق نموذج تتعايش فيه المدينة والطبيعة والإنسان في وئام. إذا لم يتم اتخاذ خطوات واضحة اليوم، فقد تواجه أرمينيا غدًا عواقب لا رجعة فيها، حيث تفقد ثروتها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وبيئتها النظيفة.
ويجب أن يصبح هذا الوعي أساس الدولة الجديدة والتفكير العام، حيث لن يعد يُنظر إلى الطبيعة كمورد للاستخدام، بل باعتبارها الشرط الأكثر عمقًا للحياة.
أرسين ساهاكيان